Tras

جودة الترجمة بين الواقع والمنشود

 

تعتبر جودة الترجمة أحد أهم الأشياء التي يسعى إليها كل مترجم، سواء كان في مبتدأ طريقه المهني أو قضى في تلك الصناعة عمرًا طويلًا، وسواء كانت الترجمة تحريرية أو شفوية. فمن الذي يحدد جودة الترجمة ومعايير تلك الجودة؟ هل هو المترجم نفسه، أم المستفيد من الترجمة؟

ينظر الكثير من المترجمين إلى الجودة نظرةً مبالغًا فيها، فتجد البعض يسعون إليها ويدافعون عنها، ويهاجمون كل ما من شأنه أن يمس جودة الترجمة من قريبٍ أو بعيدٍ، وتعتبر الترجمة الآلية بجميع أشكالها وبرامجها المختلفة أكثر المتلقين للنقد والمتعرضين للهجوم، مدفوعين في ذلك بما يعرف بـ"وهم المثالية" أو "عقد الكمال"، ومعلومٌ أن بلوغَ الكمال أمرٌ من المستحيلات، فالكمال لله وحده، ومعلومٌ كذلك أن أيَّ جهدٍ بشري -مهما كان- فإنه لا يخلو من التقصير والخلل.

المثالية أو الكمال في الشيء هو وضع معايير دقيقة وعالية يصعب أو يكاد يستحيل الوصول إليها، مما يتسبب في اعتبار كل ما لا يمكنه الوصول إلى تلك المعايير بالأمر غير المقبول، ولا غضاضة في أن يسعى الإنسان إلى بلوغ أعلى معايير الجودة، وهذا أمرٌ محمود بالمناسبة، لكن المهم هو أن يعلم أن الوصول إلى تلك الغايةِ ليس أمرًا ضروريًا في بعض الأحيان، والأهم هو ألا يُلزم الآخرين باختلاف حاجاتهم أن يسيروا وفق تلك المعايير.

وهنا يبرز سؤال هام: ما هي الجودة المنشودة إذن وما معاييرها؟ وهل هناك حد أدنى لتلك الجودة لا يمكن النزول عنه؟

أحد تعريفات الجودة (Quality) أنها بلوغ شيءٍ ما درجةٍ عاليةٍ من النوعيّة الجيدة والقيمة الجيدة، وتُعتبر الجودة معيارًا موثوقًا به، ليتميّز إنجاز ما عن غيره من الإنجازات الموجودة في البيئة نفسها وفي المجال نفسه، ويكمن امتيازه بأن يكون خاليًا تمامًا من أيّ عيب قد يكون سببًا للانتقاد، وذلك عن طريق الانقياد لمجموعة من القواعد والقوانين والمعايير القابلة للتحققّ من مدى الجودة، وقابلة للقياس أيضًا، وهذه المعايير وُجدت لنيل رضا المستهلك أو العميل أو المستخدم، وحتى يُعدّ المنتج قد حقق معايير الجودة يجب أن تكون نسبة العيوب به تساوي صفر. (1)

في الكثير من الأحيان يحدد العميل نفسه أو متلقي خدمة الترجمة معيار الجودة؛ فبعض العملاء لا يريدون ترجمةً احترافيةً عالية الجودة، ولكنه فقط يريد فهم نصٍ معينٍ، فهو لن يقوم بنشره في مجلةٍ علميةٍ مثلا، وإنما سيستخدمه لحاجته الشخصية.

بعض الدراسات تشير إلى أن عدد المترجمين حول العالم في كل اللغات غيرُ كافٍ لتلبية احتياجات العالم المتزايدة كل يومٍ من النصوص المترجمة يوميًا، وهذا ما يفسر الإقبال الشديد حول العالم على برامج الترجمة الآلية، كما أن عدد المترجمين الذين يستطيعون تحقيق أعلى معايير للجودة والتي ينادي بها (الكماليون) أقل بكثير.

لذلك نرى أنه من الضروري وضع حد أدنى للجودة ولمعاييرها لا ينبغي للترجمة ولا للمترجم النزول عنه، بدلا من المبالغة في المثالية غير الواقعية، والتي بها يضمن سلامة فهم المتلقي للنص المترجم، وخلوه من العيوب والأخطاء، وهذا ما سنتطرق إليه في مقالنا القادم حول معايير جودة الترجمة، والحد الأدنى لها.

لكن تُرى هل وقعنا نحن المترجمون في شرك المثالية ووهم الكمال، وابتعدنا عن الواقعية المطلوبة؟

شاركونا آراءكم وتعليقاتكم حول هذا الموضوع!


(1)- https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%AF%D8%A9