Arabiclang

معضلة التنوين

 

تُرسم ألف بعد آخر حرف في الاسم عند دخول تنوين الفتح عليه، ويستثنى من ذلك الأسماء المنتهية بهمزة على ألف (مثل نبأ)، أو بهمزة على السطر تسبقها ألف (مثل مساء)، أو تاء مربوطة (مثل حياة)، أو ألف ممدودة (مثل عصا) أو مقصورة (مثل نجوى).

الصراع حول موضع تنوين الفتح طويل، أيكون على الحرف السابق للألف أم على الألف نفسها. شخصيًا، أرى أنّ حجّة القائلين بوضع التنوين على الحرف السابق على الألف لا على الألف نفسها هي أبلغ حجة لأن المعني بالتنوين هو الحرف نفسه لا الألف. ومن يراجع المصحف برسمه العثماني، يجد أنّ تنوين الفتح يقع على الحرف السابق للألف.

Fat7
صفحة من المصحف بالرسم العثماني ويبدو فيها تنوين الفتح على الحرف السابق للألف وهو الصحيح، لا ما يشيع بين كثير من الناس من وضع التنوين على الألف نفسها.

 

وظيفة الألف تبدأ في حال الوقف حيث لا ننطق التنوين بل ننطق الألف عوضًا عنه، فكيف نضع التنوين عليها وهي تحل محلّه؟

ثم بالله عليكم كيف يمكن أن نرسم التنوين على الألف وهي حرف ساكن لا يقبل الحركات؟!

يقول الأستاذ الدكتور أحمد محمد عبد الدايم في كتابه "من أوهام المثقفين في أساليب العربية" والذي يعرض فيه للعديد من الأخطاء التي يقع فيها المثقفون عند الحديث والكتابة والإملاء والترقيم، ما يلي:

من أعجب أوهام المثقفين، ذلك الذي وجهته خلال تدريس مادة (القافية) لطلاب جامعة "أم القرى" حيث طلبت من أحد الطلاب أن يكتب قول الشاعر:

إذا ما أتت من صاحب لك زلة    **   فكن أنت محتالاً لزلته عذراً

فكتب الطالب البيت، ولكنه وضع فوق ألف "عذرا" فتحتين هكذا "عذراً".

إلى هنا ويمكن أن يُعدَّ الأمرُ من باب السَّهو، إلا أن قمة المفاجأة وشناعة الخطأ ظهرت حينما طلبت من طالبٍ آخرٍ أن يحدد القافية في البيت السابق – حسب تعريف الخليل لها (وهو آخر ساكنين من البيت وما بينهما مع حركة ما قبل الساكن الأول منهما) - فإذا به يجعل ألف "عذراً" من الحروف المتحركة بناء على أن فوقها فتحتين. وهنا اعتقدت أن خطأ الطالب الأول أوقع الثاني في الخطأ، وحاولت أن أوضح لهما وهْمَهُمَا، إلا أنني اكتشفت أن جميع الطلاب تقريبًا في المحاضرة يُجمعون على ضرورة وضع الفتحتين فوق الألف وهكذا تعلَّموها منذ المراحل الأولى.

وفي مساء اليوم نفسه، ومن قبيل المصادفات البحتة جاءني ابني الصغير، الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي، ومعه كتاب "القراءة العربية" كي أساعده على فهم درس عنوانه "حاول أن تعرفه" فإذا بالمؤلفين الفضلاء يضبطون جميع الكلمات المنصوبة مع التنوين بوضع الفتحتين على الألف أيضًا، حيث ضبطوا العبارة الآتية هكذا "تحبه مشوياً، وتحبه مقلياً، فما هو؟"!! (لاحظ أنه وضع الشَّدة مع الفتحتين أيضًا على الألف) ثم راجعت الكتاب، فوجدته يسير على النمط نفسه.

ومن هنا علمت أن وهم طلابي في الجامعة بدأ منذ اللحظة الأولى في حياتهم التعليمية الأولى. وعجبت لوقوع مؤلفي الكتب المدرسية في هذا الخطأ الجسيم وكيف أن المدرسين يشاركونهم في أوهامهم.

ألا يعلمون أن هذه الألف، ليست جزءًا من بنية الكلمة وليست الحرف الأخير فيها، ومن ثم لا تظهر عليها علامات الإعراب مطلقًا، وأن الفتحتين للدلالة على النصب مع التنوين؟!! ألم يسألوا أنفسهم أين يضعون الضَّمتين في مثل "جاء محمدٌ"، وأين يضعون الكسرتين في مثل "سلمتُ على محمدٍ"؟

على الدال طبعًا "محمد" – وأسأل بدوري: ما الفرق بين التنوين بالضم والكسر والفتح؟

ما الفرق بين الدال في المثالين السابقين والدال في قولنا بالنصب "رأيت محمدًا"؟! حتى يضعوا الفتحتين على الألف ولا يضعوهما في موضعهما الأصلي "الدال".

وعلى أية حال أرجو أن يُراجعوا المصحف ويروا كيف تُضبَط الكلمات المنونة مع النصب، وليروا إلى أي درجة كانوا واهمين، ولأسهِّل عليهم الأمر، عليهم أن يقرؤوا معي سورة النبأ بدءًا من قوله تعالى: } أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا{ الآية الكريمة الخامسة وما بعدها، أنظر السورة.

المراجع: 

من أوهام المثقفين في أساليب العربية - د/ أحمد محمد عبد الدايم 

مَنْ ذَا الذِي قدَّدَ البَيان؟ - تصوير وتعليق حياة الياقوت