لماذا يجب على المترجم أن يكون مثقفًا؟

لماذا يجب على المترجم أن يكون مثقفًا؟

 

لا تقتصر عملية الترجمة على الدراية الجيدة والإلمام الجيد باللغة التي يترجم منها وإليها، فكما هي علم ودراسة، هي فن وموهبة ومهارة كذلك. فلو أن المترجم تناول النص المنوط به ترجمته على أنه مجموعة من الكلمات والجمل والمرادفات المكلف هو بإخراج مجموعة أخرى من الجمل والعبارات المكافئة لها، لقضى الكثير من الوقت في البحث عن تلك المعاني بين القواميس والمسارد المختلفة، مخرجًا نصًا غير مترابط.

يقع كثير من المترجمين في خطأ كبير ومتكرر، إذ يصبون كامل اهتمامهم على الجانب اللغوي في عملية الترجمة، المتمثل في الاهتمام باللغة الهدف، وقد يكون هذا الاهتمام على حساب اللغة الأم أيضًا، وهي اللغة العربية التي لا يجيدها أغلب المترجمين، مع إغفال الاهتمام بالجانب الثقافي، الذي هو الركن الثاني والرئيس في عملية الترجمة؛ فالترجمة كالإنسان الذي يسير على قدمين، وبدون إحدى القدمين لا يستطع إكمال المسير، فالقدم الأولى هي محور اللغة بشقيه الهدف والمصدر، والقدم الأخرى هي محور الثقافة والاطلاع، وكلاهما لا ينفصلان عن بعضهما؛ لأنه سيؤدي – في كثير من الأحيان – إلى إخراج ترجمات قد تكون مادة جيدة للسخرية.

يقول الدكتور محمد العناني في كتابه فن الترجمة: "أن المترجم هو كاتب، أي أن عمله هو صَوْغ الأفكار في كلماتٍ موجهةٍ إلى قارئ. والفارق بينه وبين الكاتب الأصيل هو أن الأفكار التي يصوغها ليست أفكاره، بل أفكار سواه"، فعلى المترجم قبل الشروع في ترجمة نص معين، ألا يهتم فقط بعملية النقل اللغوي المجرد، ولكن أيضًا يهتم بالجانب الثقافي الذي ولد فيه هذا النص، وطبيعة المتلقي الذي سيقرأ هذا النص، فهناك الكثير من الأشياء المحمودة أو العادية في مجتمع، قد تكون من المحرمات في مجتمع آخر، فدراسة ثقافة المجتمع أمر لازم للمترجم.

كذلك الاهتمام بالثقافة العامة والقراءة وسعة الاطلاع من الأمور الضرورية للمترجم، فمن أهم صفات المترجم الناجح أن يكون كثير الاطلاع على فروع العلم والمعرفة المختلفة، خاصة تلك البعيدة عن تخصصه، حتى تتسع مداركه، وتتفتح آفاقه لمعرفة أمور جديدة؛ لذا نوصي المترجم أن يضع لنفسه ساعة في جدول أعماله للاطلاع والقراءة بشكل يومي، حتى ينمي ثروته المعلوماتية؛ إذ أننا في عصر الثروة المعلوماتية الضخمة، والذي يظهر فيه كثير من الكلمات والمصطلحات الجديدة كل يوم، فلو طالعت كتابًا كُتب منذ مائة عام في علم الكيمياء على سبيل المثال، لوجدت اختلافًا واضحًا في بنية الكلمات والمفردات المستخدمة في هذا الكتاب وغيره من الكتب الحديثة.

صحيح أن هناك ضعف ثقافي عام يضرب جذور المجتمع في عصرنا الحالي، ويرجع ذلك لانتشار وسائل الترف والتسلية ومضيعة الوقت وإلهاء الناس عن الأشياء المفيدة والنافعة، وذلك بسبب الاستخدام السيء لوسائل التكنولوجيا الجديدة والانترنت، ولكن بإمكان المترجم الناجح استغلال كل تلك الوسائل الحديثة في توسيع آفاقه وزيادة حصيلته المعرفية وثروته المعلوماتية من خلال القراءة والاطلاع ومشاهدة الوثائقيات والسير وفق منهج علمي منظم لتحصيل المزيد من العلم والمعرفة.