تعرف على صالح علماني سفير الأدب اللاتيني

تعرف على صالح علماني سفير الأدب اللاتيني

 

طالعتنا الصحف والمواقع الإخبارية صباح الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 بخبر وفاة المترجم والأديب الكبير صالح علماني، عن عمر يناهز 74 عامًا في مدريد بإسبانيا حيث كان يقيم، والذي عرف العالم العربي بأدب أمريكا اللاتينية ونقله إلينا. اعتزل صالح علماني الكتابة وتوجه إلى الترجمة ليبدع فيها، ليمضي أكثر من ربع قرن من مسيرته المهنية في نقل وترجمة الأدب اللاتيني، والذي لم يكن معروفًا لدى كثير من القراء العرب، ليقدم لنا أكثر من 100 عمل مترجم، ويصبح بذلك أحد أبرز المترجمين العرب غزارة في الإنتاج والترجمة.

رحلته من الكتابة إلى الترجمة

ولد صالح علماني في مدينة حمص السورية في العام 1949 لأسرة فلسطينية، واستطاع أن يحصل على إجازة في الأدب الإسباني، ثم عمل مترجمًا في سفارة كوبا في العاصمة السورية دمشق، ثم تفرغ للترجمة الإسبانية بعد ذلك بشكل كامل.

يروي علماني كيف أنه سافر في عام 1970 إلى برشلونة لدراسة الطب، ثم انتقل إلى دراسة الإعلام والصحافة، واستمر هذا الأمر لعام واحد فقط، وانتقل بعدها للعمل في أحد الموانئ، وبينما هو يتنقل في طرقات المدينة، إذ التقى بصديق له على أحد المقاهي، وكان يحمل كتابًا أهداه إليه ونصحه بقراءته، وكان هذا الكتاب هو "مائة عام من العزلة" لغابريل غارسيا ماركيز، يقول صالح علماني: "عندما بدأت قراءتها، أصبت بصدمة، لغة عجائبية شدتني بعنف إلى صفحاتها. قررت أن أترجمها إلى العربية، وبالفعل ترجمت فصلين ثم أهملتها". ويضيف: "عندما عدت إلى دمشق نسيت الرواية في غمرة انشغالاتي، لكن ماركيز ظل يشدني، فترجمت قصصًا قصيرة له، ونشرتها في الصحف المحلية، ثم ترجمت "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" (1979). لفت الكتاب انتباه الناقد حسام الخطيب، فكتب أن شابًا فلسطينيًا يترجم أدبًا مجهولاً لقراء العربية. هذه الملاحظة قادتني إلى احتراف مهنة الترجمة. قلت لنفسي: أن تكون مترجمًا مُهمًا أفضل من أن تكون روائيًا سيئًا. هكذا مزقت مخطوط روايتي الأولى من دون ندم، وانخرطت في ترجمة روايات الآخرين".

من هنا بدأت رحلته في دنيا الترجمة، لتمنحه الحكومة الإسبانية الإقامة على أراضيها بعد نزوحه من سوريا، تكريمًا له على إسهاماته في نقل الأدب واللغة الإسبانية إلى العربية، وذلك بعد مطالبات من كتاب بارزين للحكومة بذلك.

 

أعماله ورحلته مع الترجمة

ارتبط اسم صالح علماني بالروائي الكولومبي الكبير الحائز على جائزة نوبل "غابرييل غارسيا ماركيز"، حيث ترجم له سيرته الذاتية "عشت لأروي" التي فتح فيها أديب نوبل العالمي صندوق حكاياته الشخصية وتكلم عن تفاصيل حياته وتجاربه وقصته مع الفقر وتاريخ بلده كولومبيا الذي عايش أحداثه السياسية، وروى ماركيز فيها كذلك علاقته بأمه ودراسته للحقوق التي لم يكملها وعمله بالصحافة ومغامراته الصحفية وتحوله للكتابة وحتى حصوله على جائزة نوبل، والكثير من أعماله إلى العربية، ومن أهمها "الحب في زمن الكوليرا" و"مئة عام من العزلة" و"قصة موت معلن" و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، و "ذاكرة غانياتي الحزينات"، و "ساعة الشؤم"، و "الجنرال في متاهة".

ترجم علماني لكتاب آخرين، بينهم ماريو بارغاس يوسا الذي ترجم له رسائل إلى روائي شاب، وحفلة التيس، ودفاتر دون ريغوبرتو، وفي امتداح الخالة، ومن قتل بالومينو موليرو، وشيطنات الطفلة الخبيثة، كما ترجم للروائية الشهيرة إيزابيل ألليندي حبيبة روحي، وابنة الحظ التي تدور أحداثها في تشيلي والصين وكاليفورنيا، وصورة عتيقة، وحصيلة الأيام، وباولا.

وترجم لخوسيه ساراماغو ورؤى لوكريثيا، ونقل للعربية أعمالا كثيرة كان آخرها رواية "الميّتات" للكاتب المكسيكي خورخي إيبارغوينغويتيا، الصادرة في أغسطس الماضي، والتي صدرت عن دار جامعة حمد بن خليفة بداية العام الذي رحل علماني في آخره، وروى فيها الكاتب المكسيكي قصة واقعية جرت بمدينة واقعة في مقاطعة غواناخواتو المكسيكية التي عاشت فيها شقيقتان سفاحتان. كما ترجم روايتين للأطفال هما الدب القطبي والقطار الأصفر.

وبخلاف ترجماته الروائية، ترجم علماني "إسبانيا ثلاثة آلاف عام من التاريخ" من تأليف أنطونيو دومينغيث أورتيث الذي يستعرض فيها قصص الشعوب التي عاشت في شبه الجزيرة الإيبيرية منذ تأسيس مدينة قادش قبل أكثر من ألف عام قبل الميلاد وحتى عصور مستوطنات الإغريق والفينقيين، ثم الغزو الروماني والقوطي والفتوحات الإسلامية، وعهد الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا، وحتى عهد فرانكو وانتهاء الدكتاتورية، وهي التحولات التي ساهمت بمجملها في تشكيل شخصية إسبانيا المعاصرة.

أشرف على ورشات عمل تطبيقية في الترجمة الأدبية في معهد ثربانتس في دمشق. منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون في عام 2014، وحصل على جائزة "خيراردو دي كريمونا" الدولية للترجمة عام 2015، ونال جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولية للترجمة عام 2016، كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية حول الترجمة. تعرض علماني لانتقادات كبيرة من بعض أصدقائه ومحبيه بسبب مواقفه السياسية التي كان يدعم فيها النظام السوري، ومهاجمته للمعارضين له ولا سيما المثقفين.

رحل علماني في الثلاثاء الماضي 3 ديسمبر 2019، وترك إرثًا ضخمًا من الأعمال والترجمات التي تركت أثرًا كبيرًا في تطور الرواية العربية.